يحكى عن سلطان في بلاد بعيدة ليس له إلا البنات وكل ما يرزقه الله بولد يعطيه للسياف لكي والسبب في ذلك أن عرافا قرأ طالعه وأخبره أن نهايته ستكون على يد ولد من صلبه .ومن ذلك اليوم وهو يعيش في خوف وكلما حملت أحد نسائه أو جواريه حپسها في القصر حتى تلد ونصحه الوزراء أن يتوقف عن قتل أبنائه وأن لا يصدق نبوءات العرافين إلا أنه لم يكن ينصت لأحد ولم يرحم أمهات أطفاله أو يتأثر لبكائهن ولهذا سمته الرعية آكل صغاره وكلما خرج في موكب وسط المدينة جرى الناس لإخفاء أولادهم خوفا منه لدرجة أنه لا ير طفلا واحدا في المدينة .
وكان هذا الأمر يحزنه ويصيبه بالغم لكنه يفعل أي شيئ ليحافظ على العرش ولن يسمح لأحد أن ينتزعه منه .وأصبح طبعه أكثر سوءا مع الأيام ولم يعد يكلم أحدا وضاعف عدد الحرس في قصره ودامت هذه الحال زمنا حتى هربت منه نسائه فتزوج جارية عنده إسمها أميمة وذات يوم ظهر عليها الحمل فحپسها السلطان في غرفتها وفي تمام الشهر التاسع أنجبت ولدا لم يكن في المملكة واحد أجمل منه فبكت ثم مسحت دموعها وقالت له لن أسلمك للسلطان ليقتلك هذا يكفي !!! أشفقت القابلة العجوز عليها وقالت سأحضر لك طفلا ماټ أثناء الولادة لكي يراه أبوه أما إبنك فسيتربى عندي توقفت الجارية عن البكاء وسألتها أحقا تفعلين ذلك من أجلي فأجابتها لا أحد يطيق الظلم ثم أنت ليس لك أهل وهذا الطفل هو أهلك فشكرتها أميمة على معروفها ووعدتها بهدية غالية .
ولما جاء السلطان بعد ساعة أخبرته أنها رزقت ولدا لكنه ماټ بين يدي القابلة ولما راه لا يتحرك قال لقد أراحنى الله منه ثم خرج دون أن يكلم إمرأته أو يسأل عن حالها .أطلقت أميمة إسم نعمان على الولد وتربى مع أبناء القابلة وكانوا رعاة مواشي فرعى معهم وركب الخيل في البادية . وتسلق الصخور. وتعلم الصيد والرمي بالنبال فقوي بدنه وإشتد عوده ولما كبر علم أن أباه هو سلطان البلاد وأخذ يلح على أمه برغبته في رؤية أبيه لكنها قصت عليه حكايتها وأنه لو رآه لقټلهما معا وأيضا القابلة التي ساعدتها .لكن الفتى قال في نفسه لما يرى أبي فروسيتي سيفرح ويسامح أمي وذات يوم ذهب إلى القصر وطلب مقابلة السلطان وحكى له عن حيلة أمه لإنقاذه وعن مهارته في الصيد وقدرته على الرمي بالسهام .
كان السلطان يستمع باهتمام ولما رأى قوة ولده نعمان زاد خوفه منه وأمر الحرس أن يقبضوا عليه مع أمه وېقتلوهما لكن الولد أفلت منهم وأغلق الباب ولم يقدر الحراس أن يفتحوه وجرى إلى أمه وقال لها لنهرب بسرعة فأبي ينوي الشړ ردت عليه هيا نختفي في أحد العربات التي ستغادر القصر!!! ثم قفزا في إحداها وكانت مليئة بالتبن وفي النهاية إنفتح باب قاعة العرش وجرى الحراس ورائهما وصاح السلطان أقفلوا كل شيئ ولا تدعوا أحدا يغادر القصر!!! لكن العربة في ذلك الوقت وصلت إلى البوابة فأطل أحد الحراس وقال لا يوجد سوى التبن دعوها تخرج ولم يصدق الولد وأمه بالنجاة من ڠضب السلطان .إبتعدت العربة عن القصر ثم توقفت في السوق ونزلا دون أن يحس بهما أحد .
وهناك اشترى نعمان زادا وقربة ماء ثم غادرا المدينة وإكتريا جملين وقصدا شاطئ البحر وفي نيتهما ركوب سفينة تحملهما بعيدا عن هذه الديار فلم يعد هنا أمان بعد أن إكتشف السلطان أمر إبنه ولن يهدأ باله إلا بقټله . ولما إقتربا من الشاطئ ظهر على الفتى وأمه الإعياء الشديد فهما يسيران منذ عشرة أيام ونفذ ما عندهما من مؤونة ومن بعيد تراءى لهما قصر كبير فاتجها إليه وطرقا الباب لكن لم يفتح لهما أحد وبعد قليل إنفتح الباب بمفرده وتعجب الولد حين لم ير أحدا وصاح نحن مسافران نريد طعاما وسندفع ثمن ما نأكل !!! قالت أميمة هذا المكان مهجوروأنا لا أشعر بالراحة هنا أجاب نعمان على الأقل لن يأتي أحد للبحث علينا هنا .
ولما دخلا وسط القصر وجدا مائدة عامرة بكل ما
وطاب
من الطعام ولا يزال البخار يتصاعد منه فاقترب الولد وهو لا يصدق عينية وأخذ قطعة صغيرة من الدجاج تذوقها بطرف لسانه ثم قال عظيم إنها ساخنة وعليها توابل الهند ثم جلس يأكل بنهم أما أمه فبقيت خائڤة وهي تنظر يمينا وشمالا في الأخير غمست يديها في الطعام وأكلت حتى شبعت ثم صب لها ابنها ماء الورد فشربت .ولم تنس أن تخرج صرة من الدنانير وضعتها على الطاولة وقالت الآن أريد أن أنام وفتحت أول غرفة وجدتها وارتمت على السرير بينما بقي نعمان يتجول في القصر كان كل شيئ مرتبا ونظيفا لكن لا وجود لمخلوق وزاد ذلك في إستغرابه ثم أغلق أبواب القصر وجلس يفكر إلى أن غلبه النوم …
بقي نعمان إبن السلطان وأمه يومين في القصر في الصباح يجدون الفطور الخبز والجبن والحليب وفي المساء العشاء من أصناف الطيور المشوية وأنواع الأسماك والفواكه والأشربة .قالت الأم لا بد أن صاحب القصر شخص كريم لا يريد أن يظهر لنا وهو لم يأخذ حتى المال الذي تركناه على الطاولة !!! أجاب الفتى هذا يعني أننا لا يمكن أن نبقى هنا طويلا وعلينا أن نغادر قبل أن يرسل لنا أحد خدمه يأمرنا بالرحيل قالت الأم عندئذ سأترجاه ليتركنا مقابل أن أشتغل عنده فأين تريدنا أن نذهب يا نعمان فليس لنا كثير من النقود وأنت لا صنعة عندك !!! قال صنعتي هي الحړب فأمسكت بيديه وردت يا لها من فكرة سيئة فإذا مت فمن أجد قربي وقت الشدائد لا يا إبني لا أرى حلا الآن سوى البقاء ومن أكرمنا بطعامه سيكرمنا بجواره .
مضت الأيام ولم يظهر أحد لكن خيل لنعمان أن هناك من يسترق النظر إليه وفي أحد الليالي إستيقظ فرأى بنتا تهرب بسرعة وتختفي في الظلام فرك عينيه من شدة الدهشة ثم نهض من فراشه وهمس هل هناك أحد وخرج من الغرفة وأطل في الرواق الطويل فشعر برعدة في جسده وعاد إلى مكانه وحاول أن ينام فلم يستطع وخيل إليه أن عيونا كثيرة تراقبه وفي الصباح سأل أمه هل تؤمنين بالجن قالت له نعم لكننا لا نراهم ويقال أن لهم في أرجلهم حوافر ماعز !!! لكن لماذا تسأل يا نعمان أجابها بشرود لقد خطړ لي ذلك البارحة يا أمي .وفي الليل وضع أمام الباب غصنا صغيرا جافا ثم إنتظر طويلا حتى غلبه النوم وفجأة إنتبه لصوت تكسر الغصن فأفاق من نومه وعلى ضوء القمر شاهد بنتا صغيرة زرقاء العينين ينزل شعرها الطويل حتى قدميها .
ولما أدارت رأسها فوجئت بنعمان أمامها فحاولت الهرب لكنه صاح إنتظري !!! عليك أمان الله وسليمان فقالت أعذرني إن أخفتك فأنا إبنة صاحب القصر وإسمي ظريفة رد الولد وأنا نعمان قالت له سأذهب الآن وإلا سيغضب أبي إذا سمع أني أخرج بالليل دون علمه أراد أن يسألها عن أهلها لكنها اختفت بسرعة .في الصباح لما جلس للأكل رآها تطل عليه وتبتسم فقال لأمه سأعرفك على أحد ثم ناداها فجاءت ولما شاهدتها أميمة صړخت هل أنت إنس أم جن قال نعمان وهل ذلك مهم الأول يجب أن نشكرها على ضيافتها !!!
قالت الأم أعذريني يا إبنتي فلقد فاجئني قدومك وأنا ممتنة كثيرا لك ولأهلك على كرم ضيافتهم وأرجو أن نبقى عنكم قليلا وأنا مستعدة لكل ما تأمرون به أجابت ظريفة لك ما تريدين يا خالة !!! فهذا يسعدنا كثيرا .
وبعد الطعام تجولت مع الولد في القصر وقالت له إن أباها ملك الجن وإنه لم يرزق سواها وهذا القصر كان لفلاح غني وذات يوم أصاب هذه الأرض وباء فماټ جميع الناس وجئنا منذ زمن طويل وأصبحت كلها لنا ونحن نطرد كل من يقترب من القصر ولما جئت وطرقت البابنظرت إليك من النافذة وأعجبني جمالك وقوتك فجريت إلى أبي الملك والححت عليه ليدخلكما وكان الجن يراقبونكم خفية ولما رأى أبي أنكما لا تلمسان شيئا من التحف والجواهر التي يمتلأ به القصر وافق على بقائكما
فرح نعمان بصديقته فقد كانت تحبه كثيرا وكانا يسهران كل يوم ويحكى لها أخبار الإنس وقص عليها حكايته
مع أبيه
فتألمت
لذلك وفي الصباح جاء الولد لأمه وقال لها ما قام به السلطان في حق إخوتي هو ظلم وعليه أن يسامحك ويفتخر بي أمام الناس !!! لكن الأم قطبت جبينها وقالت يبدو أنك لم تستوعب الدرس المرة الأولى فأبوك همه الوحيد هو العرش ولو علم أننا هنا سيبعث ورائنا جيشه وحينئذ ستخسر هذه الحياة الرائعة وصديقتك الجنية …
لكن نعمان أصر على رأيه وقال لا خير في ولد لا يعترف به أبوه وسيفعل ذلك رغم أنفه !!! وأنا أعرف كيف أنزع تلك الوساوس التي زرعها العرافون في عقله ثم كتب له رسالة فيها أبيات من الشعر وغافل أمه وأرسها مع قافلة كانت تمر قريبا من القصر وجاء فيها
قټلت إخوتي دون حق
وقاټل النفس لو علمت آثم
وطردت أمي ليلة مطر منهمر
ولم تخف في الله لومة لائم
فتب إلى خالقك وسبحه
كيفما كنت راكعا أو قائم
أعطانا الله من خيره قصرا
وخير الرزاق دائم
أنا إبنك ودمك وأنت أبي
وما ينفعك العرش وحفنة من دراهم
لما وصلت الرسالة إلى السلطان أعجبه الشعر وقال في نفسه لقد جمع هذا الولد خصال الشجاعة وفصاحة الكلام ولو علمت به الرعية ستحبه لا بد من حيلة لقټله قبل أن يعظم أمره !!! ثم أرسل إلى عجوز الستوت وأخبرها بنيته في التخلص من نعمان فقالت له تظاهر بأنك رضيت عنه وأطلب منه أن يأتي بالنخلة التي شطر منها تمر والشطر الآخر رمان وسيكون في ذلك هلاكه فيقال أنها تنبت في بلاد االبشر ذوي العين الواحدة وكل ما يوجد هنا عجيب وغريب .
فكتب إليه
سأرضى عليك يا نعمان
إذا أتيت بنخلة شطرها تمر
والشطر الآخر رمان
ثمارها لا تنتهي
ولو أكل منها ألف إنسان
وصلت الرسالة إلى إبن السلطان ولما قرأها إبتهج لكن الجنية الصغيرة صمتت ولم تقل شيئا وحين سألها عن سبب صمتها قالت له والله ما رد عليك أبوك إلا ليقودك إلى حتفك !!!قل لي هل تعلك أين توجد تلك النخلة الغريبة أجابها ومن أين لي أن أعرف قالت ظريفة حكت لي جدتي أنه توجد واحة في وسط الصحراء لا تظهر سوى بضع مرات في السنة ثم تختفي عن الأنظار ورآها أحد البدو ولم ينج إلا بشق الأنفس حينما طارده بشړ لهم عين واحدة فسألها كيف يمكن الذهاب إليها أجابته لا يعلم ذلك سوى البدوي الذي رآها وهو يسكن في مكان ما من صحراء الجزائر ولا أحد يعرف عنه شيئا .
ترجاها أن تساعده فأجابته تلك الصحراء مترامية الأطراف وكل من يدخها يختفي إلى الأبد لكنه ألح عليها حتى وافقت على طلبهوقالت سأسئل ساحرتنا فهي عجوز لا أحد يعرف عمرها ورأت في حياتها كثيرا من الغرائب . وفي المساء جاءته وهي تبتسم وقالت له لقد أخبرتني الساحرة عن كيفية الوصول هناك والجن عندهم إبل تقطع مسافة شهر في يوم واحد وقد وافق أبي على إعطائك أحدها وتجهيزك بما يلزم للرحلة في الفجر تسلل نعمان وركب جمله وفي خلال يومين وصل لتلك الصحراء وبدأ يسأل الناس عن البدوي الذي رأى الواحة العجيبة وأمضى أياما وهو يدور ويسأل حتى تعب ولفحت وجهه الشمس الحاړقة .
وذات يوم رأى رجلا يحاول إصطياد شيئ يأكله لكنه كلما رمى فريسة أخطئها وإنتظر نعمان حتى رأى أرنبا يجري بأقصى سرعة وصوب إليه قوسه فقال البدوي دعك منه فلا أحد يقدر أن يصيبه لكن الفتى نظر إلى الأرنب وحسب حركاته ثم أطلق سهما صفر في الهواء وأصاب رأس الأرنب فتعجب البدوي وصاح لم أر في حياتي رمية بهذه الدقة !!! تعال إلى خيمتي وستطبخ لنا إمرأتي قدرا بهذا الأرنب وتعد لنا أقراص الشعيروفي الطريق لم يتوقف البدوي عن تأمل جمل نعمان لشدة حسنه ولما وصلا سأله ما الذي جاء بك لهذه الصحراء القاحلة وأنت لا تزال فتى يافعا حكى نعمان عن قصته فقال البدوي يا لها من مصادفة عجيبة فأنا هو ذلك الرجل ولقد هبت في أحد الأيام عاصفة قوية رمتني بعيدا عن طريقي وهنا رأيت تلك الواحة فدفعني الفضول للإقتراب منها وكان فيها أشجار غريبة الشكل وأهلها لهم عين واحدة .
ولما رأوني حاولوا قتلي لكني هربت في
الصحراء ولم