close

الجمع بين ما ورد في النهي عن استلقاء المسلم على ظهره، مع رفع إحدى الرجلين على الأخرى وفعل النبي عليه الصلاة السلام ذلك

عن جابر بن عبد الله قال: ” نهى عن اشتمال الصماء ، وأن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره”. سؤال: هل هذا يعني أنه يجوز الاستلقاء على الظهر طالما لا يضع إحدى رجليه على

الأخرى ؟ وماذا يمكنك أن تقول عن الحديث أدناه الذي يتعارض مع فعل النبي وقوله فيما يتعلق بالنوم؟ عن عباد بن تميم عن عمه قال: ” رأيت رسول

الله صلى الله عليه وسلم في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى ” إذا أيّ الحديثين نتّبع عندما يكون هناك تعارض بين قول النبي وفعله؟

الحمد لله.

أولا:

من المستقر المعلوم: أنه لا يمكن معرفة حكم مسألة ما في الشريعة إلا بعد جمع الأدلة، والنصوص الواردة في المسألة، وهنا قد تتوافق الأدلة على حكم واحد ، وقد تتعارض ظاهريا بحيث يفيد أحدها الوجوب مثلا، والآخر الاستحباب ، أو يفيد أحدهما التحريم

والآخر الكراهة . وهنا يسلك أهل العلم ثلاثة طرق ، إما الجمع ، وإما الترجيح ، وإما النسخ إن علم التاريخ .

وقد سبق ذكر تفصيل هذه المسألة في جواب بعنوان : ما هو العمل في المسائل قد يَرد قولُ النبي صلى الله عليه وسلم مخالفا لفعله ) . فلينظر لأهميته .

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (147416)، ورقم:(296702).

ثانيا:

ثانيا:

أما بالنسبة للمسألة الواردة في محل السؤال ، وهي حكم استلقاء المسلم على ظهره، مع رفع إحدى الرجلين على الأخرى، فهي مثال عملي على ما تقدم ، وإليك أخي السائل الكريم، كيف تعامل أهل العلم مع هذه المسألة:

أولا : من حيث الثبوت: فكل من الحديثين ثابت صحيح :

أما القول ، فأخرجه مسلم في “صحيحه” (2099) ، من حديث جابر بن عبد الله : ” أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ ، وَالِاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، وَأَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ “.

وأما الفعل ، فأخرجه البخاري في “صحيحه” (475) ، ومسلم في “صحيحه” (2100) ، من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم أنه : ” رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَلْقِيًا فِي المَسْجِدِ ، وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى “.

ثانيا : يظهر من الحديث الأول – وهو القول – نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستلقاء على الظهر، مع رفع إحدى الرجلين على الأخرى .

ويظهر من الحديث الثاني – وهو الفعل – أن النبي صلى الله عليه وسلم استلقى على ظهره ، ورفع إحدى رجليه على الأخرى .
وهنا نبدأ بالخطوة الأولى وهي الجمع بين الدليلين :

جمع بعض أهل العلم بين الحديثين فقالوا :

المعنى الذي لأجله نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الصورة: هو التحذير من كشف العورة، إذ إن غالب الصحابة كانوا يلبسون الأُزر ، فلا يؤمَن ، إذا استلقى أحدهم على ظهره ، ورفع إحدى رجليه على الأخرى: أن تنكشف عورته . وعلى هذا يحمل حديث النهي .

وأما إن كان يأمن من انكشاف عورته ، كمن يلبس تحت إزاره سروالا، ونحو ذلك: فلا مانع من أن يستلقي، ويرفع إحدى الرجلين على الأخرى . وعلى هذا يُحمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم .

وممن قال بهذا البيهقي ، والبغوي ، والخطابي ، وأبو العباس القرطبي ، وابن الجوزي ، والنووي ، رحمهم الله تعالى .

قال البيهقي في “الآداب” (ص236) :”يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّهْيُ: لِمَا فِيهِ مِنَ انْكِشَافِ الْعَوْرَة،ِ لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، مَعَ ضِيقِ الْإِزَارِ: لَمْ يَسْلَمْ مِنْ أَنْ يَنْكَشِفَ شَيْءٌ مِنْ فَخِذِهِ ، وَالْفَخِذُ عَوْرَةٌ.

فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْإِزَارُ سَابِغًا، وَكَانَ لَابِسُهُ عَنِ التَّكَشُّفِ مُتَوَقِّيًا: فَلَا بَأْسَ بِهِ ” انتهى .

وقال البغوي في “شرح السنة” (2/378) :” موضع النهي – والله أعلم – أن ينصب الرجل ركبته ، فيعرض عليها رجله الأخرى، ولا إزار عليه ، أو إزاره ضيق ينكشف معه بعض عورته .

فإن كان الإزار سابغا بحيث لا تبدو منه عورته فلا بأس ” انتهى .

وقال الخطابي في “معالم السنن” (4/120) :” يشبه أن يكون: إنما نُهي عن ذلك من أجل انكشاف العورة ، إذ كان لباسهم الأزر، دون السراويلات . والغالب أن أُزُرهم غير سابغة

، والمستلقي إذا رفع إحدى رجليه على الأخرى، مع ضيق الإزار: لم يسلم أن ينكشف شيء من فخذه، والفخذ عورة .

فأما إذا كان الإزار سابغاً، أو كان لابسه عن التكشف متوقياً: فلا بأس به ، وهو وجه الجمع بين الخبرين ، والله أعلم “انتهى .

وقال أبو العباس القرطبي في “المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم” (5/417) :” و( قوله: ونهى أن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى مستلقيًا ) : قد قال بكراهة

هذه الحالة، مطلقًا: فقهاء أهل الشام ، وكأنَّهم لم يبلغهم فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – لهذه الحالة ، أو تأولوها.

والأولى: الجمع بين الحديثين ؛ فيحمل النهي على ما إذا لم يكن على عورته شيء يسترها.

ويحمل فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – لها على أنه كان مستور العورة ، ولا شك أنها استلقاء استراحة إذا كان مستور العورة ، وقد أجازها مالك وغيره لذلك “. انتهى

وقال ابن الجوزي في “كشف المشكل” (3/75) :” وَأما رفع المستلقي إِحْدَى رجلَيْهِ: فَلِأَن الْغَالِب على الْعَرَب: أَن يكون على أحدهم الثَّوْب الْوَاحِد ، فَإِذا فعل هَذَا بَدَت عَوْرَته ، فَإِن أَمن هَذَا فَلَا كَرَاهِيَة “انتهى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *