وهذه الآية (الكرسي) لها شأن عظيم، فقد صح الحديث عن رسول الله بأنها أفضل آية في كتاب الله عز وجل، قال تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون (254) الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم (255)
لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم (256)﴾ (سورة البقرة). ويمكننا شرح هذه الآية العظيمة التي تحدث الله فيها عن نفسه عز وجل:
الله لا اله الا هو
أي: لا خالق ولا معبود بحق وصدق إلا (الله) عز وجل وكل ما سواه باطل أصلا، وهذه الآية أصل في التوحيد: واحد ليس له شريك، ولا نظير ولا وزير ولا مشير، ومعناه: النهي عن أن يعبد شيء غير الله. فهو الإله الحق الذي نتمنى أن تكون جميع أنواع العبادة والطاعة والتأليه له تعالى، لكماله وكمال صفاته وعظيم نعمه، ولكون العبد مستحقا أن يكون عبدا لربه ممتثلا أوامره متجنبا نواهيه، وكل ما سوى الله تعالى باطل فعبادة ما سواه باطلة، لكون ما سوى الله مخلوقا ناقصا مدبرا فقيرا من جميع الوجوه، فلم يستحق شيئا من أنواع العبادة.
الله): الله دال على كونه مألوها معبودا تؤلهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا وفزعا إليه في الحوائج والنوائب.
(الله) هو اسم علم دال على ذات الله تعالى رب العالمين، الإله المعبود حقا متصف بجميع الكمالات المطلقة التي لا تعد ولا تحصى ولا تحد ولا تستنقص، ومتنزها عن جميع العيوب والآفات ولم يتسم بهذا الاسم غيره سبحانه.
(الله) هذا الاسم الجليل، تعلقت به جميع العوالم بذاتها وبأنواعها قال تعالى:﴿ياأيها ٱلناس أنتم ٱلفقراء إلى ٱلله وٱلله هو ٱلغني ٱلحميد﴾ (فاطر:15)، فجميع العباد يقولون: يا الله، دعاء او سؤالا، نداء او ذكرا أو مناجاة.
(الله) هذا الاسم هو جامع الأسماء الإلهية: الظاهرة والباطنة، على الوجه الذي لا نهاية له كما هو أهله سبحانه؛ لأنه أسماءه تعالى هي على حسب صفاته كما له وصفات كماله مالها نهاية، فأسماؤه ما لها نهاية، ولهذا الاسم الجليل خصائص وفضائل كثيرة مذكورة في كتب المطولات.
الحي القيوم﴾:
مدح الله تعالى نفسه بصفتين جليلتين جميلتين فقال: (الحي القيوم).
الحي) الذي لا يموت: الحي في صفة الله تعالى، وهو الذي لم يزل موجودا وبالحياة موصوفا لم تحدث له الحياة بعد الموت، ولا يعتريه الموت بعد حياة وسائر الأحياء سواء، يعتريهم الموت والعدم، فكل شيء هالك إلا وجهه سبحانه وتعالى.
(الحي): من له الحياة الكاملة المستلزمة لجميع صفات الذات كالسمع والبصر والعلم والقدرة، ونحو ذلك.
والحياة التي وصف بها الإله الواحد هي (الحياة الذاتية) التي لم تأت من مصدر آخر، كحياة الخلائق المكسوبة الموهوبة لها من الخالق، ومن ثم ينفرد الله سبحانه بالحياة على هذا المعنى كما أنها هي الحياة الأزلية الأبدية التي لا تبدأ من مبدأ، ولا تنتهي إلى نهاية.