وهذا كله محمول على أنه كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم ؛ فقد فاتته الركعتان بعد الظهر ، فصلاهما بعد العصر ، ثم أثبتهما ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى صلاة أثبتها .
روى البخاري (1233) ، ومسلم (834) عن أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا – يعني الركعتين بعد العصر – ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى العَصْرَ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الجَارِيَةَ ، فَقُلْتُ : قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ : تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ ، وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا ؟ فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ ، فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ، فَفَعَلَتِ الجَارِيَةُ ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ ، فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : ( يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْس ِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ ، فَهُمَا هَاتَانِ ) .
وروى مسلم (835) عن أبي سَلَمَةَ ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنِ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَقَالَتْ : ( كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ ، ثُمَّ إِنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا ، أَوْ نَسِيَهُمَا ، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَثْبَتَهَا ) .
وعلى ذلك : فإنه يشرع لكل أحد قضاء راتبة الظهر ونحوها بعد العصر ، إذا فاتت لعذر .
وأما الاستدامة على صلاة الركعتين في هذا الوقت : فهي من خصائصه ، صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الرِّوَايَات مَنْ أَجَازَ التَّنَفُّل بَعْدَ الْعَصْر مُطْلَقًا ، مَا لَمْ يَقْصِد الصَّلَاة عِنْدَ غُرُوب الشَّمْس ، وَأَجَابَ عَنْهُ مَنْ أَطْلَقَ الْكَرَاهَة : بِأَنَّ فِعْلَهُ هَذَا يَدُلّ عَلَى جَوَاز اِسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ مِنْ الرَّوَاتِب مِنْ غَيْر كَرَاهَة ، وَأَمَّا مُوَاظَبَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ خَصَائِصه ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَة أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْر وَيَنْهَى عَنْهَا , وَيُوَاصِل وَيَنْهَى عَنْ الْوِصَال ” رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، وَرِوَايَة أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَة فِي نَحْو هَذِهِ الْقِصَّة وَفِي آخِرِهِ ” وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاة أَثْبَتَهَا ” رَوَاهُ مُسْلِم ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : الَّذِي اِخْتَصَّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُدَاوَمَة عَلَى ذَلِكَ لَا أَصْلُ الْقَضَاء ” انتهى .
“فتح الباري” (2/64) . وينظر : “عمدة القاري” (5/ 85) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة عن هذه الأحاديث ، فأجابوا :
” لا تجوز صلاة النافلة بعد العصر ؛ لأنه وقت نهي ، وما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المذكورة هو قضاء لراتبة الظهر التي فاتته – ، وداوم عليها صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه كان إذا عمل عملا داوم عليه ، وهذا خاص به صلى الله عليه وسلم ، لكن تجوز الصلاة بعد العصر إذا كانت من ذوات الأسباب ؛ كتحية المسجد ، وصلاة الكسوف ، وركعتي الطواف بعد العصر وبعد الصبح ، وصلاة الچنازة ؛ للأحاديث الواردة في ذلك ” انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة”
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
” ليس هناك سنة بعد العصر ، فقد نهى الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن الصلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس ، إلا لمن عليه فوائت ، هذا يقضيها ولو بعد العصر لعموم قوله – صلى الله عليه وسلم -: ( من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك ) متفق عليه ، فلو تذكر بعد العصر أن عليه الظهر نسيها : صلاها، أو عليه الفجر نسيها : صلاها ، أو غير ذلك ، وهكذا لو أن إنسانا دخل المسجد أو طاف بعد العصر في مكة ، صلى تحية المسجد ، وصلى ركعتي الطواف ، وهكذا لو كسفت الشمس بعد العصر ، هذه من ذوات الأسباب تصلى بعد العصر .
أما سنة راتبة بعد العصر فلا ، إلا خاصة بالنبي – صلى الله عليه وسلم – ، فقد صلى بعد العصر ركعتين بسبب أنه شغل عنها بعد الظهر ، ثم أثبتها ، وسئل عنها : هل نقضيهما ؟ قال : لا . وأخبرت عائشة أنه أثبتها ، كان يصليها بعد العصر .
هذا شيء خاص به عليه الصلاة والسلام ” انتهى.
“فتاوى نور على الدرب”
والله تعالى أعلم .