لانشغاله بصيام النهار وقيام الليل ، وكل ذلك وردت به الأحاديث الصحيحة . إن كلا من الزوجين حين يبتعد أحدهما عن الآخر يحس بالفراغ وينتابه القلق ويتعطش للاطمئنان على نصفه الآخر، ويغذى هذا الشعور أمران : أحدهما يحتاجه الجسد ، والآخر يحتاجه القلب ، وإذا طال أمد البعد قوى ألم الفراق ، وربما أورث مرضا أو أمراضا، وعند طلب العلاج قد يكون الزلل إن لم يكن هناك عاصم من دين وحصانة من أخلاق ؟ وقد جاء في المأثور أن عمر رضي الله عنه سمع – وهو يتفقد أحوال رعيته ليلا- زوجة تنشد شعرا تشكو فيه بُعْدَ زوجها عنها لغيابه مع المجاهدين، وتضمن شعرها تمسكها بدينها وبوفائها لزوجها ، ولولا ذلك لهان عليها بعده ، وذلك بآخر يؤنسها في غيبة الزوج. إن بعد الزوج عن زوجته -حتى لو وافقت عليه حياء أو مشاركة في كسب يفيدهما معا- يختلف في أثره عليها ، ولا تساوى فيه الشابة مع غيرها ، ولا المتدينة مع غيرها ، ولا من تعيش تحت رعاية أبويها مع من تعيش وحدها دون رقيب ،
وإذا كنت أنصح الزوجة بتحمل بعض الآلام لقاء ما يعانيه الزوج أيضا من بعد عنها فيه مصلحتهما معا، فإني أيضا أنصح الزوج بألا يتمادى في البعد ، فإن الذي ينفقه حين يعود إليها في فترات قريبة سيوفر لها ولأولاده سعادة نفسية وعصمة خلقية لا توفرها المادة التي سافر من أجلها ، فالواجب هو الموازنة بين الكسبين، وشرف الإنسان أغلى من كل شيء في هذه الحياة، وإبعاد الشبه والظنون عن كل منهما يجب أن يعمل له حسابه الكبير . ولئن كان عمر رضي اللّه عنه بعد سؤاله حفصة أم المؤمنين بنته قد جعل أجل الغياب عن الزوجة أربعة أشهر1. فإن ذلك كان مراعى فيه العرف والطبيعة إذ ذاك ، أما وقد تغيرت الأعراف واختلفت الطباع ، فيجب أن تراعى المصلحة في تقدير هذه المدة ، وبخاصة بعد سهولة المواصلات وتعدد وسائلها . ومهما يكن من شيء فإن الشابة إذا خافت الفتنة على نفسها بسبب غياب زوجها فلها الحق في رفع أمرها إلى القضاء لإجراء اللازم نحو عودته أو تطليقها، حفاظا على الأعراض ، ومنعا للفساد ، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار . انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين:- الواجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف لقول الله تعالى
: (وعاشروهن بالمعروف) وحق العشرة حق واجب على الزوج لزوجته وعلى الزوجة لزوجها ، ومن المعاشرة بالمعروف أن لا يغيب الإنسان عن زوجته مدة طويلة؛ لأن من حقها أن تتمتع بمعاشرة زوجها كما يتمتع هو بمعاشرتها ، ولكن إذا رضيت بغيبته ولو مدة طويلة فإن الحق لها ، ولا يلحق الزوج حرج ، لكن بشرط أن يكون قد تركها في مكان آمن لا يخاف عليها ، فإذا غاب الإنسان لطلب الرزق وزوجته راضية بذلك فلا حرج عليه وإن غاب مدة سنتين أو أكثر ) (وإذا لم تسمح له بذلك فإن عليه أن يرجع إليها كلما مضت نصف سنة، إلا أن يكون معذورًا بمرض أو نحوه.) انتهى وقال الشيخ ابن جبرين: قد حدد بعض الصحابة غيبة الزوج بأربعة أشهر ، وبعضهم بنصف سنة . ولكن ذلك بعد طلب الزوجة قدوم زوجها فإذا مضى عليها نصف سنة وطلبت قدومه وتمكن ؛ لزمه ذلك ، فإن امتنع فلها الرفع إلى القاضي ليفسخ النكاح . فأما إذا سمحت له زوجته بالبقاء ولو طالت المدة وزادت على السنة أو السنتين فلا بأس بذلك ، فإن الحق لها وقد أسقطته فليس لها طلب الفسخ ما دامت قد رضيت بغيابه، وما دام قد أمن لها رزقها وكسوتها وما تحتاجه).